فصل: ضوابط إحباط العمل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.ضوابط إحباط العمل:

إحباط العمل قسمان هما:
إحباط كلي.. وإحباط جزئي.
1- الإحباط الكلي نوعان:
الأول: إحباط جميع الحسنات.
وهذا لا يكون إلا بسيئة واحدة، وهي الردة عن الإسلام إذا مات الإنسان على ذلك.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [217]} [البقرة: 217].
الثاني: إحباط جميع السيئات.
وهذا لا يكون إلا بحسنة واحدة، وهي حسنة التوبة النصوح.
قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [53]} [الزمر: 53].
2- الإحباط الجزئي، وهو نوعان:
الأول: إحباط بعض الحسنات ببعض السيئات، كإحباط الصدقة بالمن والأذى.
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264].
2- وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [2]} [الحجرات: 2].
الثاني: إحباط بعض السيئات ببعض الحسنات.
قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [114]} [هود: 114].
فهذه الموانع الثلاثة التوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية من العبد نفسه.

.الثاني: الموانع التي من إخوانه المؤمنين:

.1- مانع الدعاء:

1- يسن للمؤمن الدعاء لإخوانه المؤمنين بالمغفرة والرحمة، وهذا يدل قطعاً على انتفاع المدعو له بدعاء إخوانه المؤمنين، واستغفارهم له.
1- قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [19]} [محمد: 19].
2- وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [10]} [الحشر: 10].
3- وَعَنْ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلا خَيْراً مِنْ أهْلِهِ وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ-أوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ-». قال: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنْ أكُونَ أنَا ذَلِكَ المَيِّتَ. أخرجه مسلم.
2- الدعاء بالمغفرة والرحمة لا يجوز لمن لقي الله كافراً، ولا يمنع إنفاذ وعيد الله فيه، ولا أثر له البتة.
1- قال الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [6]} [المنافقون: 6].
2- وقال الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [80]} [التوبة: 80].
3- وقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [113]} [التوبة: 113].
3- الدعاء لأهل الكبائر بالمغفرة والرحمة من جملة الأمور التي يمكن أن تمنع إنفاذ الوعيد الذي استحقوه على فعل السيئات.
1- قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء: 48].
2- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم.

.2- مانع إهداء القربات:

القربات الشرعية: هي كل ما يُقرِّب العبد من رضى الله ومحبته.
1- الثواب والعقاب مبني على عمل الإنسان من خير وشر، وعلى ما هو من آثار عمله.
فأما ترتب جزاء الإنسان على عمله فكما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [160]} [الأنعام: 160].
وأما ترتب الجزاء على آثار العمل، وهي الأعمال التي خلَّفها الإنسان من بعده، فيجازى بها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
1- قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [12]} [يس: 12].
2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم.
3- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم.
2- الإنسان ليس له إلا سعيه، فلا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه. كما قال سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [39] وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [40] ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [41]} [النجم: 39- 41].
أما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه، لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه بسعي غيره وعمله، كما أنه سبحانه يرحم عباده بأسباب أخرى.
والانتفاع بعمل الغير له حالتان:
الأولى: الانتفاع بنفس العمل، بأن يكون كأنه الذي قام بنفس العمل.
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةً أتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: «أرَأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟». قَالَتْ: نَعَمْ، قال: «فَدَيْنُ الله أحَقُّ بِالقَضَاءِ». متفق عليه.
2- وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، إِذْ أتَتْهُ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قال: فَقَالَ: «وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأصُومُ عَنْهَا؟ قال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم.
الثانية: الانتفاع بأثر العمل.
1- الدعاء بالمغفرة وغيرها ينتفع العبد بأثره لا بثوابه.
أما نفس الدعاء وثوابه فللداعي؛ لأنه شفاعة، أجرها للشافع، ومقصودها للمشفوع له.
عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أوْ بِعُسْفَانَ، فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ! انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ، قال: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أرْبَعُونَ؟ قال: نَعَمْ، قال: أخْرِجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلا، لا يُشْرِكُونَ بِالله شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم.
2- إهداء القربات يكون من المسلم الحي إلى المسلم الميت؛ لأنه أحوج من الحي، والدعاء للميت بالمغفرة والرحمة أفضل من إهداء القربات له؛ لأن الانتفاع بالدعاء متفق عليه، وإهداء القربات متفق على أصله.
وإهداء القربات لا يمكن أن يمنع إنفاذ وعيد الكفر؛ لأن الكافر لا يمكن أن ينتفع بما يهدى إليه من قربات؛ لفقده شرط الإيمان.
فوعيد كل من لقي الله كافراً لا يمكن أن يغفر، لا بسبب منه، ولا بسبب من العباد، ولا بمحض المشيئة.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء: 48].

.أنواع القربات:

القربات التي تكفر الصغائر والكبائر نوعان:
قربات علمية.. وقربات عملية.
1- القربات العلمية كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكل ما يتعين على العبد أن يفعله بنفسه كالوضوء والصلاة ونحوها.
فهذه لا يمكن إهداء ثوابها البتة؛ لأنها لا تقبل النيابة مطلقاً.
2- القربات العملية، وهي ثلاثة أنواع:
1- قربات بدنية محضة كالصوم.
2- قربات مالية محضة كالصدقة والعتق ونحوهما.
3- قربات مركبة منهما كالحج ونحوه.
فهذه الأنواع الثلاثة يجوز إهداء ثوابها للميت، ويصله ثوابها، وينتفع بذلك.
1- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه.
2- وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، إِذْ أتَتْهُ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قال: فَقَالَ: «وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأصُومُ عَنْهَا؟ قال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم.
ومغفرة ما دون الكفر قد تكون بسبب من العبد كالاستغفار.. وقد تكون بسبب من الخلق كإهداء ثواب بعض الأعمال.. وقد تكون بمحض مشيئة الله.

.3- مانع الشفاعة:

الشفاعة: هي طلب حصول الخير للغير.
والشفاعة من حيث المشفوع عنده نوعان:
شفاعة عند الله.. وشفاعة عند الناس.
1- الشفاعة عند الله نوعان:
1- شفاعة في الدنيا كشفاعة المؤمنين للميت بالصلاة عليه.
2- شفاعة في الآخرة كشفاعة الأنبياء والمؤمنين يوم القيامة.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِىٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّى اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ القِيَامَةِ فَهِىَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً». متفق عليه.
2- الشفاعة عند الناس، وهي شفاعات الناس بعضهم لبعض فيما ينوبهم من الأمور.
1- قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [85]} [النساء: 85].
2- وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ؟ مَا شَاءَ». متفق عليه.

.أقسام الشفاعة:

الشفاعة من حيث حصولها نوعان:
شفاعة منفية.. وشفاعة مثبتة.
1- الشفاعة المنفية نوعان:
الأول: الشفاعة في أهل الشرك الذين ماتوا عليه، فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة الشافعين.
قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [48]} [المدثر: 48].
ويستثنى من هذا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويحميه.
عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ». متفق عليه.
الثاني: الشفاعة الشركية، وهي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك لمعبوداتهم، يعتقدون أنها تشفع لهم عند الله، وهذا كله باطل.
قال الله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [86]} [الزخرف: 86].
2- الشفاعة المثبتة، وهي ثلاثة أنواع:
الأول: الشفاعة العظمى:
وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف ليفصل الله بينهم، وهي المقام المحمود له.
1- قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [79]} [الإسراء: 79].
2- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ –في حديث الشفاعة- وفيه أن بعض الناس يَقولُ: «.. ائْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونِي فَأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فَيُقال: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ». متفق عليه.
الثاني: الشفاعة في أهل الجنة، وهي ثلاثة أنواع:
1- شفاعته؟ في أهل الجنة ليدخلوها.
2- شفاعته؟ في رفع درجات أهل الجنة.
3- شفاعته؟ في بعض المؤمنين ليدخلوا الجنة بلا حساب ولا عذاب.
الثالث: الشفاعة لأهل الكبائر، وهي نوعان:
1- شفاعته؟ فيمن استحق النار من أهل الكبائر أن لا يدخلها.
2- شفاعته؟ فيمن دخل النار من أهل الكبائر أن يخرج منها.
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لأُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم.

.أحوال المشفوع له:

الشفاعة يمكن أن تمنع انفاذ الوعيد على ما دون الكفر، ولا تمنع إنفاذ وعيد الكفر؛ لأنه يستحيل قبولها فيمن لقي الله مشركاً، فالشفاعة خاصة بأهل التوحيد.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقال: «لَقَدْ ظَنَنْتُ، يَا أبَا هُرَيْرَةَ، أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري.

.شروط الشفاعة النافعة عند الله:

الشفاعة النافعة هي التي تحقق فيها ثلاثة شروط:
الأول: إذن الله في الشفاعة.
الثاني: رضاه عن المشفوع له.
الثالث: رضاه عن الشافع.
1- قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [109]} [طه: 109].
2- وقال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [26]} [النجم: 26].
فهذه الموانع الثلاثة دعاء المؤمنين، وإهداء القربات، والشفاعة هي التي من الخلق.

.الثالث: الموانع التي من الله عز وجل:

المصائب المكفرة.. والعفو الإلهي.

.1- مانع المصائب المكفرة:

المصائب: هي كل ما يصيب الإنسان من مكروه في نفس، أو مال، أو أهل.
والمصائب مكفرات للذنوب، والثواب إنما يحصل للعبد إذا صبر عليها؛ لأن المصائب ليست من فعل العبد، وإنما هي من فعل الله بالعبد، فإذا صبر عليها نال ثواب الصبر.
1- قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [120]} [التوبة: 120].
2- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم.
3- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». متفق عليه.

.أقسام المصائب القدرية:

المصائب القدرية تنقسم من حيث المكان الذي تقع فيه إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مصائب في الدنيا كالأمراض، والخوف، والجوع، ونقص الأموال، والأنفس والثمرات.
الثاني: آلام في البرزخ، وهي ما يكون في القبر من الفتنة، والضغطة، والروعة.
الثالث: آلام في الآخرة، وهي ما يكون في عرصات القيامة من الأهوال والكرب والشدائد.
فالمصائب الدنيوية أخفها، والبرزخية أشد منها، والأخروية أشدها وأعظمها.
وجميع الآلام التي تحصل للعبد بسببها هي مما يكفِّر الله بها الخطايا التي تحصل من العبد.